وقت القراءة: 13 دقيقة و54 ثانية
عدد الكلمات: 3,063 كلمة
الفكرة: الكتابة لا تبدأ بالإلهام… بل بشجاعة أن تكتب رغم الفوضى.
مرحبا، اسمي محمد أبو عنزة، كاتب يبحث عن إجابات لأسئلة كثيرة
في هذه النشرة، أشاركك ما أكتبه، ما أكتشفه، وما أعيشه.
ما قبل يوليو 2022، كنت شخصاً لديه أفكار كثيرة، يكتب يوماً أو يومين، ثم يختفي الحماس وأتوقف.
صدّقني، كل كاتب مرّ بهذه المرحلة. تجلس أمام الورقة أو الشاشة، تكتب أول جملة، ثم تشعر أنها لا تشبهك، فتمسحها، وتبدأ من جديد. هذه لحظة يعرفها كل من حاول أن يبدأ.
كنت أتوقف لأنني أشعر أن كل ما أكتبه لا يرقى لمستوى “كاتب حقيقي” كما كنت أتخيله… ذلك الذي يعرف دائمًا ماذا يقول وكيف يبدأ، فاحذف ما كتبت، وأعود إلى نقطة الصفر
في يوم حارق من يوليو 2022 كنت أكتب قائمة مهامي اليومية، فجأة، وجدت نفسي أكتب جملة مختلفة. ثم فقرة. ثم أخرى. لم أكن أكتب مهامي… كنت أعبر عن نفسي من خلال الكلمات.
منذ ذلك اليوم، لم أتوقف عن الكتابة أبداً. ولم أتخيل أن عادة صغيرة كهذه ستغيّر كل حياتي.
لنبدأ.
لطالما ظننت أن الكتابة تحتاج لإلهام من السماء أو لموهبة عظيمة، هذه خُرافة…. فقد كنت أحتاج للوضوح أكثر من أي شيء آخر
وضوح عن لماذا أكتب، ماذا أكتب، لمن أكتب، وكيف أستمر في الكتابة رغم فوضى الحياة حولي والشكوك داخل عقلي
هذه المقالة:
ليست الدليل الشامل للكتابة، بل محاولة لفهم ما حصل معي وشرحه لك
عن كيف تحولت الكتابة من شيء أهرب منه إلى الشيء الذي يُبقيني حياً كل يوم
قد لا تحل مشاكلك مع الكتابة، وأفكارها قد لا تكون مُصممة خصيصاً لك
أقول لك هذا لأن ما سأشاركه هنا ليس عن الكتابة فحسب، بل عما يحدث قبل أن تكتب حرفاً واحداً.
لكنني آمل أن تجد فيها ما ينفعك، وتساعدك لفهم عالم الكتابة
هل تشعر أن الكلمات لا تأتيك كما تريد؟
لست وحدك، أعرف ذلك الشعور جيدًا، عندما تمسك القلم وتقول: “اليوم سأكتب”، ثم تجد أن عقلك أصبح صفحة بيضاء، وهربت منك الكلمات.
إذا كنت تحلم بالكتابة منذ سنوات لكنك لا تبدأ، أو تبحث عن الإجابة على سؤال كيف ابدأ الكتابة؟
الإجابة ببساطة: أكتب
أعلم أن هذه الجملة تثير فيك الغضب أكثر من الحماس، لكن اسمح لي أن أشرح.
بالطبع الإجابة البسيطة أعلاه غير مُرضية لأحد، وتُشبه بالظبط أن تقول لشخص يريد التوقف عن التدخين: “فقط توقف”
بهذه النصيحة السطحية، تتجاهل الحرب النفسية الخفية التي يعيشها الشخص خلف الإنضباط الذي ينتج عنه التوقف عن التدخين
عندما يسأل أحدهم كيف أكتب؟ فهو في الواقع لا يسأل عن كيفية كتابة الجمل والكلمات وصياغتهم، بل يسأل عن كيف يخوض هذه الحرب ويربحها، وعندما تقول له “أكتب” فقط، كأنما تقول له أذهب للحرب واربح (دون أن تعطيه أي أدوات وأي استراتيجيات).
لم أولد كاتبًا منضبطًا.
في الجامعة، كنت أكره الكتابة أصلًا. أتهرّب منها كما يتهرّب أحدهم من مادة لا يُحبها.
كطالب، عانيت من الكتابة ومع الكتابة، لم أكن أكتب أبداً أيام الجامعة، حتى عندما كانت تأتي المواعيد النهائية لتسليم التقارير، دائماً ما كنت أستعين بأحدهم ليكتب نيابة عني
على مدونتي الأولى، كنت أكتب أشياء مُتفرقة لكنني لم أكن منضبطاً ولم أكتب بوتيرة دورية
أونلاين، أطلقت مرة مدونة على Wordpress، ولم أستمر بالنشر عليها لأكثر من ثلاث مقالات، مرة بدأت الكتابة على موقع Qoura، ومرة على هدهد، أما أكثر مرة استمررت بها كانت على Medium حيث شاركت عدة مقالات جيدة.
لكن في المجمل لم أستمر لفترة طويلة على أي منصة. حلمت كثيراً ….
حتى حدثت لي نقطة تحول صيف 2022 وتغير كل شيء، بدأت الكتابة أونلاين يومياً.
امتلأت دفاتري بأفكار حولتها إلى منشورات، طورت مهارتي في التواصل، ساعدتني الكتابة في كتابة مسودات مقالات لي ولأشخاص أخرين، كتبت وساعدت في كتابة وتأليف +10 كتب لي ولمبدعين أخرين في الوطن العربي
أشعر بسعادة غامرة الآن بينما أكتب هذه الكلمات، فنادراً ما أُشارك إنجازاتي مع الأخرين، أما اليوم أنا فخور بها، ليس بطريقة نرجسية أو تسويقية، بل بطريقة تجعلني راضياً عن نفسي وتُشعرني بالدهشة عند رؤية أشياء قمت أو ساعدت في بنائها. فهذه أشياء كانت مستحيلة وبعيدة المنال عني قبل 3 سنوات فقط
طال إنتظاري لكتابة هذه المقالة، آمل أن تُفيدك، استمتع….
المشكلة الأكبر: المعتقدات الخاطئة عن الكتابة
ملاحظة: أنت فعلاً كاتب غزير الإنتاج
قام أحد الباحثين بإحصاء جميع ما كتبه المهاتما غاندي طوال حياته، ليكتشف أن كتاباته تقريباً 100 مُجلداً، أي أكثر من 50,000 صفحة. يبدو الرقم كبيراً، صح؟
لا تستغرب، صحيح أن هذا قد يبدو إنتاجاً ضخماً، لكن إن نظرت إلى مراسلاتك الشخصية (الرسائل النصية، رسائل البريد الإلكتروني، المنشورات، المقالات، ستوريات الإنستاجرام، وغيرها) ستجد نفسك كتبت حتى الآن أكثر مما كتبه غاندي طوال حياته
أنت المستخدم العادي للإنترنت (المواطن الإلكتروني) تكتب كل يوم نصوصاً (أفكار عابرة، منشورات، محادثات مع أصدقائك) أكثر مما كتبه مُعظم الناس طوال حياتهم قبل عام 1970
لكن لسبب ما، فإن الأشياء التي تعتقد أنها كتابة (رواية حلمت بها، كتاب مرجعي في مجالك، تاريخ العائلة، مقال في مجلة عالمية) عندما ترغب في البدء بها، تهرب منك الكلمات. لماذا؟
الإجابة: القلق
تفتح صفحة جديدة وتقول “اليوم سأبدأ”، ثم فجأة تشعر أن كل كلمة ثقيلة. وكأن هناك صوتًا في رأسك يهمس: “ومن تظن نفسك لتكتب؟
قبل يوليو 2022 كنت أظن أن مشكلتي في الوقت، الإلهام، المزاج، أو المعرفة. لكن هذا ليس صحيحاً
بل ما كنت أواجهه هو قلق. قلق من أن أكتب شيئاً غير جيد، من أن أبدو “عادياً”، من أن يحكم عليّ أحدهم.
هذا القلق جزء من عملية الكتابة، فالكتابة بطبيعتها نشاط مُعقد تتضارب فيه الأفكار والمشاعر
لن أخذ المقالة إلى الحديث عن كيف تكون أكثر شجاعة عند الكتابة، ولا كيف تُحفز نفسك لتكتب، بل أُفضل مُناقشة الآليات التي تحدث في عقلك وقت الكتابة
يتداخل القلق مع الكتابة بطريقتين:
1. الكتابة بطبيعتها تولد القلق
وفقاً لعلم النفس، أحد الأسباب الأساسية للقلق هو تضارب الأهداف، وتضارب الأهداف يُسبب عدم إرتياح
الكتابة، دون أن نشعر، محشوة بالأهداف المتضاربة في الوقت نفسه: تكتب، تُحرر، تُفكر، تُراجع، تكشف نفسك، وتُقيم الأخرين. كل ذلك في وقت واحد
تتضارب هذه المهام وتتداخل مع بعضها، مما يُنتج سلسلة مستمرة من الصراعات في عقلك. يُشبه الأمر تشغيل عدة تطبيقات ثقيلة في وقت واحد على جهاز واحد، فتتعطل الذاكرة، يعلق النظام، يجمد المؤشر، وينطفئ الجهاز في النهاية
الأهداف المتضاربة تشعرك أن الكتابة مؤلمة، وأن كل جلسة كتابة هي معركة جديدة. فتبدأ بالهروب منها…. حتى لو كنت تحبها
2. القلق من القارئ
إذا استطعت، بقدرة قادر، تجاوز المرحلة الأولى من قلق الكتابة وبدأت الكتابة، يظهر نوع آخر من القلق فوراً: الخوف من التلقي. خاصة عندما تكتب لجمهوراً مهماً.
تخيل الفرق بين رسالة نصية ترسلها إلى زميلك مقارنة ببريد إلكتروني تُرسله إلى مديرك في العمل.
الرسالة الأولى مجرد فكرة للمتابعة، أما البريد الثاني فهو صراع. على الرغم من أن كلاهما كلماتك، لكن مستوى القلق مختلف تماماً
تُصبح الكتابة أكثر صعوبة عندما تكون النتيجة المرجوة منها مهمة، وتبدأ تُفكر:
هل سيحب القارئ ما كتبت؟
هل سأبدو ذكياً بما يكفي في نظره؟
هل ما كتبته يستحق النشر أصلاً؟
نفس النص الذي تكتبه بسهولة عندما لا يراه أحد، يُصبح ثقيلاً حين تتخيله منشوراً أمام الجمهور وهناك فرصة لأحدهم ليحكم عليك
مزيج من القلق الداخلي والخارجي يُعقد الأمر ويجعل عقلك ساحة للصراعات والتصادمات والمشاكل.
وقتها تبدأ في موازنة صراع الكتابة مقابل فائدتها، فقط عندما تُفكر بالكتابة بهذه الطريقة تُشوهها
ومع الوقت تبدأ هذه المخاوف في تشكيل معتقدات سامة في عقلك، هذه أبرز 3 معتقدات يمر بها معظم الناس:
كل ما أكتبه يجب أن يكون مهمًا أو عظيمًا: بما أن الكتابة نشاط مُرهق ومُكلف عقلياً، فقد قررنا أنه يجب استخدامها فقط في الأشياء ذات العائد العالي، لذا لا مساحة للكتابة العابرة.
هذه خرافة.
يجب أن أنتهي من الكتابة في جلسة واحدة: بما أن الكتابة صراع، يجب أن تكون إنتاج فوري، لا بناء تراكمي.
هذه خرافة.
يجب أن تكون الكتابة صحيحة ومثالية منذ البداية: الكتابة صراع ولا يوجد أي سبب للعودة لتحريرها وتحسينها، وكل جملة تُكتب يجب أن تكون جاهزة للنشر في مجلة عالمية،
هذه خرافة.
معظم المشاكل التي رأيت الناس يُعانون منها عند الكتابة تنبع من هذه المعتقدات، هذه المعتقدات لا تبدو سيئة في ظاهرها، لكنها تجعل الكتابة مستحيلة
فكيف تكتب شيئاً مهماً إذا لم تكتب أصلاً؟ وكيف تصل إلى المثالية إذا لم تسمح لنفسك ببعض الفوضى في البداية؟ هل يقوم شخص عاقل بالدخول مرة أخرى في مُعضلة مُرهقة وصراع؟ من يقبل بهذا؟
لنصحح بعض الأفكار
جربت كل “الوصفات السريعة” لبدء الكتابة: الحماس، المواعيد النهائية (Deadlines)، التحفيز، القهوة، جلسات الكتابة الجماعية وحتى الموسيقى المُلهمة… إلخ
لكن جميع هذه ممارسات لا تُعطي حلاً مستداماً. تصلح لمرة أو مرتين ثم تخذلك في اليوم التالي. فهي مثل السكر، يمنحك دفعة طاقة مؤقتة، ثم يتركك منهكاً
عندما يتلاشى تاثير هذه الممارسات، تبدأ في البحث عن الوصفة السريعة التالية.
ما غيّر حياتي ليس تحفيز أكثر، بل تقليل الصراعات
بدل أن أُجبر نفسي على الكتابة رغم القلق، بدأت في تغيير البيئة التي تُولّد القلق أصلاً
وبدلاً من إنتظار الإلهام، بدأت أكتب أي شيء: خطة يومي، فكرة صغيرة خطرت في ذهني، ملاحظة لنفسي.
ما أقصده هو ابدأ ممارسات تصطدم مباشرة مع معتقداتك الخاطئة عن الكتابة، والتزم بها حتى تتلاشى تلك المعتقدات أمام ممارسات جديدة
يبدو الكلام مُقعداً؟ دعنا نمرّ على المعتقدات الثلاثة السابقة واحدة واحدة:
1. التخلص من الإعتقاد الخاطئ الأول: كل ما أكتبه يجب أن يكون عظيمًا
يكمن مفتاح التغلب على هذه الخرافة في إعادة تعريف ما تعتبره عظيماً أصلاً
منذ 2022 نشرت +300 ألف كلمة (منشورات، مقالات، كتب، وغيرها). وهذا كله أقل من ثُلث ما كتبته فعلياً خلال نفس الفترة.
الباقي؟ مسودات، ملاحظات، أفكار أولية أحتفظ بها وليست للنشر، لكنها ضرورية حتى أصل إلى كتابات جيدة وجديرة بالنشر
عندما أقول ليست للنشر، لا يعني بالضرورة أنها رديئة، بل تعني أفكار وملاحظات لنفسي، تعني تفكير من خلال الكتابة، استكشاف اهتماماتي، رسائل لنفسي مستقبلاً.
لدي قاعدتان بسيطتان:
استمع لعقلك: إذا أراد عقلي ألا يكتب شيء سوى قائمة مهام، سأستمع إليه وأكتب فقط قائمة مهام، ولن أجبره على كتابة شيء غير هذه القائمة
تنظيف الأنابيب: مثل مياه الشرب التي تحتاج مجرى نظيفاً، يحتاج عقلك لتدفق مستمر من الكلمات “العادية” قبل أن يمرر ماءً صالحاً للشرب. فالكتابة الفوضوية تُفرغ عقلك من الشذرات وبعد ذلك تنتقل إلى كتابة عظيمة.
كيف تبدو عملية تنظيف الأنابيب عملياً؟
أبسط نسخة من هذه العملية هي كتابة أي شيء يخطر في ذهنك (بغض النظر عن قيمته) وقريب من نوع الكتابة الذي تطمح له، حتى لو لم يكن صالحاً للنشر الآن. إليك طريقتان أستخدمهما:
الكتابة التي تُرتب عقلك
هذا يعني أي كتابة تساعدني في إخراج الأفكار من رأسي ونقلها على ورقة حتى أتمكن من غربلتها.
أكثر من نصف كتاباتي هي كتابات لترتيب عقلي بلا قيود ولا تدقيق. (أهداف، خطط، مهام، ملاحظات، أحلام… وغيرها).
أكتب ليهدأ عقلي عندما يعلو ضجيجه. أكتب لأُشعل التفكير عندما يكون عقلي هادئاً.
تعتقد أن هذه الكتابات مُملة؟ صدقني أنها حيوية وستُنعشك.
هذه الكتابة:
تُساعدني على التفكير بوضوح، إلتقاط أفكار أفضل، استكشاف نفسي، التخطيط لما سأفعله في حياتي
في الأيام السيئة تُبقيني منضبطاً
تُلهمني لكتابة أشياء أُشاركها مع الأخرين
الإلهام يأتي لمن يُفسح له مجالاً
التعلم بالكتابة
إن ذكرت لك اسم رياضي مشهور وسألتك كيف يتدرب هذا الرياضي، ستكون الإجابة بسيطة وسهلة، لنقم بذلك…
كيف يتدرب كريستيانو رونالدو؟ يمارس العديد من التمارين الجسدية (ركض، رفع أثقال، سباحة، وغيرها)، فهذه أشياء يفعلها اللاعب ليكون رياضياً أفضل
أما عندما يتعلق الأمر بالمهن الإبداعية، فالأمر يُصبح مُعقداً، إن كان نجيب محفوظ لا يزال حياً الآن، ففي رأيك كيف يتدرب ليُصبح كاتباً أفضل؟
كيف يمكنه بناء قاعدة معرفية (مادة خام) يستقي منها الإجابات ويلجأ إليها عندما يحتاجها؟
كما يتدرب الرياضي يومياً، تدرب أنت أيضاً بالكتابة.
لكن للأسف يبني مُعظم المُبدعين/الناس قاعدة معرفتهم عشوائياً. يحتفظون بمعلوماتهم في عقولهم، ولا يُضيفون إليها أي شيء جديد إلا عندما يتحتم عليهم الأمر
أما إن إلتزمت بالكتابة بإنتظام، فإن أحد أكثر الأنشطة متعة لتقوم بها هو بناء قاعدة معرفتك بتعمد من خلال البحث والكتابة عن اهتماماتك، مشاريعك، وأفكارك
قد تكون سمعت من قبل عن مفهوم التعلم بالتعليم، هنا نتحدث عن شيء مُشابه، وأقول لك حرفياً اكتب لتتعلم
بينما أكتب لك هذه الكلمات، كتبت عدة فصول من كتاب لم يرَ النور بعد عن تصميم حياتك، وبضع صفحات كتبتها بينما كنت أتعلم عن أتمتة وتنظيم عمليات فرق التسويق الرقمي، وآلاف الصفحات الأخرى عن اهتماماتي (هوية رقمية، كتابة، أنظمة، إلخ)
لذا، اكتب لتتعلم، وستنمو قاعدتك المعرفية، وستظهر لك أفكار جديدة بمرور الوقت.
قاعدة عملية: ابدأ بكتابة ما تلاحظه وتتعلمه دون نية نشر ، عندما تبني زخماً، أنشر ما تعتقد أنه مفيداً
تجربة شخصية: بعد عام من الكتابة اليومية، أدركت أن ما أفعله لم يعد مجرد كتابة.
2. التخلص من الإعتقاد الخاطئ الثاني: يجب أن أنتهي من الكتابة في جلسة واحدة
يكمن مفتاح التغلب على هذه الخرافة في جعل الكتابة رحلة متعددة المراحل
الرسام عندما يريد إنتاج لوحة فنية مُتقنة، فهو يبدأ برسم تخطيطي تقريبي يُجسد الفكرة العامة لرسمته، ثم يعود مرة أخرى ويضيف عليها ليجعلها أكثر تفصيلاً. هكذا يُحول الخطوط الأولية إلى سمات واضحة، بعد ذلك يلعب بالنسب والمواضع حتى يتم ترتيب كل عنصر كما يريده. ثم تأتي فنون الخطوط، يتبعها العمل التفصيلي، وآخر شيء يأتي التلوين، والذي قد يتطلب عدة مراحل خاصة به أيضاً
الكتابة تُشبه هذه العملية تماماً.
تخيل الآن رساماً يبدأ رسم لوحته بمربع طوله سنتيمتر واحد في الزاوية العلوية اليُمنى من صفحة فارغة، ولا ينتقل إلى المربع التالي حتى يتأكد أن المربع الأول تم رسمه بشكل مثالي - كل تفاصيل المربع الأول: الخط، الألوان، النسب، وكل شيء في مكانه الصحيح.
يبدو الأمر سخيفاً، صحيح؟ كيف يُمكن للرسام أن يحفظ الصورة كاملة في ذهنه دون أن يضع مخططات أولية تُساعده وتُرشده؟
أليس هذا ما تفعله بنفسك عندما تحاول الكتابة مرة واحدة وفي جلسة واحدة فقط؟
الأمر أشبه بمحاولة حل لعبة تركيب اللغز 🧩 بينما جميع القطع موجودة في الصندوق.
في أحيان كثيرة ستأتيك أفكار لامعة لكن لا يمكنك تطبيقها فوراً، فمن الأفضل الإحتفاظ بها في مكان ما وبمجرد أن يصل دورها تقوم بتطبيقها وإضافتها إلى ما تُنتجه.
الكتابة متعددة المراحل أبسط، أمتع، وأكثر استدامة. إليك تقنيتان أستخدمهما بإنتظام:
التخطيط الخفيف (Outline)
في ما مضى، كنت أتجنبه وأبتعد عنه، كنت أشعر أنه خطوة لا معنى لها. أما اليوم أؤمن أن التخطيط مُحرراً للعقل.
حتى عندما تنحرف عن الفكرة الأساسية التي تريد الكتابة عنها، فإن وجود الهيكل الأولي أمامك سيُرجعك للطريق الصحيح
فوضع الخطوط العريضة لعمل فني كبير يخفف توترك ويمنعك من تداخل مهام هذا العمل مع بعض.
المسودة الفوضوية
يمكنك البدء بكتابة مسودة أولى مليئة بالأفكار المبعثرة (Raw draft)، أكتب كل ما في رأسك دفعة واحدة دون مراعاة شكل، دون تدقيق، دون إهتمام بالأخطاء النحوية.
الهدف هو أن تستخدم هذه المسودة كمادة خام لمسودة أخرى أكثر تنظيماً
اترك المسودة الفوضوية يوماً أو اثنين ثم عُد إليها. تأكد أنك ستراها بعيون جديدة
فكر في الأمر بالظبط مثل إخراج جميع قطع لعبة تركيب اللغز 🧩 على الطاولة حتى تستطيع ترتيبها بسهولة.
إن كنت تواجه صعوبة في كتابة مسودة أولى فوضوية، فهذه الأداة يمكنها أن تُساعدك: The Most Dangerous Writing App
3. التخلص من الإعتقاد الخاطئ الثالث: يجب أن تكون الكتابة مثالية منذ البداية
يكمن مفتاح التغلب على هذه الخرافة في الفصل بين الكتابة والتحرير
الدماغ ينقسم إلى فص أيمن وفص أيسر وعندما يعمل أحدهم يتوقف الآخر
الفص الأيمن مخصص للعمليات الإبداعية مثل: الكتابة
الفص الأيسر مُخصص للعمليات التحليلية مثل: التحرير
لا تطلب من دماغك القيام بوظيفتين في لحظة واحدة
عندما تكتب، فأنت تكتب فقط
عندما تُحرر، فأنت تُحرر فقط
إجبار نفسك على الكتابة الخاطئة أولاً يمنحك فرصة أن تكتب أشياء مفيدة أكثر، عندما أقول خاطئة لا أقصد التخلي عن جودة صياغة ما تكتب هنا، بل أقصد أن تجعل الإهتمام بالجودة خطوة مستقلة ومنفصلة تماماً عن الكتابة
مطالبة نفسك بالجودة أثناء الكتابة يتسبب في تداخل مهمتي الكتابة والتحرير في عقلك، وهذا أمر يُسبب انسداد في الكتابة وفي شرايين الإبداع
إن سبق وعملت مع مؤلف، ستعرف أن الكتاب متوسط الحجم عبارة عن مزيج هائل من أكثر من 60 ألف كلمة. وأن الكتاب يمر برحلة لا تقل عن ثلاث مسودات قبل نشره
الفصل بين الكتابة والتحرير، وجعل كل خطوة منهما في مرحلة منفصلة يجعلك تكتب بسهولة. الأمر لا يقتصر على كتابة الكتب، أو الكتابة الأكاديمية، أو الروايات فحسب
،
أهم نصيحة أستطيع أن أقدمها لك: لا تكتب وتُحرر في الوقت نفسه.
عندما تكتب، اسمح لنفسك أن تخطئ.
عندما تُحرر، اسمح لنفسك أن تكون قاسيًا.
المبدأ وراء الكتابة هو أن الأفكار تنمو في عقلك مع الوقت مثل النباتات، ولا تُعصر من دماغك مثل معجون الأسنان من الأنبوب.
طريقتان فعّالتان للفصل بين الكتابة والتحرير:
الخطأ المتعمد
إن كنت تواجه مشكلة مع الفص الأيسر (المحرر الداخلي) من دماغك.. التزم أن تكون المسودة الأولى “سيئة” عمداً.
أصر أستاذ جامعي أن يُرسل له طلابه مسوداتهم الأولى دون تنقيحها، هكذا يُعطّل “المحرر الداخلي” الذي يوقفهم في كل سطر
يمكنك أخذ الأمر أبعد من ذلك أيضاً، مثلا، تبنَّ شخصية ساخرة/غريبة في مسودتك الأولى وأكتب بقلم تلك الشخصية لتفصل بين الفكرة التي تتحدث عنها والصوت القادم من عقلك الذي يقولها
اختر أي شخصية تُناسبك، أسطورة (أبو رجل مسلوخة) أو شخصية من فيلم (الدون فيتو كورليوني) أو ربما شخصية أحد جيرانك. هكذا تتحكم في محررك الداخلي وتمنعه من محاولة التعديل والتحسين اللحظي على كل كلمة تكتبها
الإفراط في الكتابة
المسودة الأولى لهذه المقالة كانت +5000 كلمة، أما النسخة التي تقرؤها الآن تقريباً +3000 كلمة.
أكتب كثيراً وبلا بخل، لا تتردد في استخدام خمسين كلمة بدلاً من عشر كلمات للتعبير عن فكرتك. ثم عد لاحقاً للحذف والتعديل والتحسين
حذف كلمات الحشو يستهلك وقتاً، لكنه مع الوقت يُصبح ممتعاً ويصقل كتاباتك لتصبح أفضل، وستتفاجأ كم يصبح النص أقوى عندما تُزيل الحشو منه دفعة واحدة وفي مرحلة مستقلة.
حليفان لا يُخيبان الكاتب: الوقت والنوم.
أترك النص لليوم التالي، وعندما تستيقظ ستراه أوضح
قوة الكتابة
اليوم، وحين أفكر في يوليو 2022، أبتسم. ذلك اليوم الذي جلست فيه لأكتب دون نية… كان بداية حياة جديدة لم أتخيلها
إتقان الكتابة لا يتعلق بالتحفيز ولا بقوة الإرادة، بل بإعادة تعريف الكتابة لتصبح نشاطاً ممتعاً، مفيداً، ومستداماً
بمجرد أن تبدأ بكتابة بضع كلمات على الورق، يمكنك تطويرها والعمل عليها وتنميتها لتصبح نوع الكتابة عالية الجودة التي لطالما حلمت بتقديمها للأخرين
إن كنت في بدايتك، لا تبحث عن الطريقة المثالية للكتابة، فلن تجدها
أبحث عن اللحظة التي تجلس فيها لتكتب رغم الفوضى، من هنا يبدأ كل شيء
اكتب لتستمتع
اكتب لتُثري نفسك
اكتب للإستكشاف
اكتب بقدر الإمكان
اكتب لتصفية ذهنك
اكتب لتنمية أفكارك
اكتب لتفكر في روتينك اليومي
اكتب بأقصى ما يسمح به عقلك
اكتب لتتخلص من كل تلك الإعتقادات الخاطئة عن الكتابة.
اكتب لترى نفسك بوضوح أكبر، وحين ترى نفسك بوضوح، سيراك الناس بوضوح أيضاً
اكتب لترى الكتابة على حقيقتها، مجرد كلمات على ورق - يمكنك استخدامها لأي شيء تريده
ملاحظة شخصية 🪞
كل ما كتبته هنا لم يكن محاولة لتعليم الكتابة، بل مصالحة صغيرة مع نفسي قبل 2022.
عندما كنت أخاف من الورقة الفارغة والقلم يرتجف بين أصابعي، عندما كنت أعتقد أن الكُتّاب يولدون بثقة لا تهتز.
اليوم أدركت أن الكتابة ليست طريقًا نحو الكمال، بل نحو الطمأنينة.
لا أكتب لأبدو ذكيًا، ولا لأثبت أنني تجاوزت الخوف.
أكتب فقط لأهدأ، لأفهم، ولأتذكر أن الفوضى التي في رأسي يمكن أن تتحول إلى شيء جميل على الورق.
مشاركة هذه المقالة هي أصدق أشكال الإطراق الذي قد أتلقاه منك
(إذا وجدت هذه المقالة مفيدة، شاركها مع شخص تعتقد أنها ستفيده.
فربما تمنحه هذه الكلمات الفرصة التي ينتظرها
This feels like an amusement park that I really enjoyed spending time in !! Thank you for sharing such a unique piece.
Writing is definitely a beautiful form of self love, people need to minimize codependency and learn how to feel enough with themselves. Writing in Mohamed's way : the way you described, tips and all... will definitely let them appreciate the whole journey for there's always value and gain after that. It's an attitude that a person doesn't want to stop commiting to, like they want to keep it daily and constant because it's a cure for ( self esteem, doubts, uncertainty, procrastination, self sabotage, unworthiness, when lost ... ) writing is the compass you hold in your hand to sail safely. The compass is your heart and thoughts you're deciding to trust and listen to. Through pen and paper, and many amazing nerves 😁
There's serenity, more positivity and a strong immune system, a clear mind due to writing. this act itself is a fuel for productivity and so, contentment.
Lastly, for who ever reading this comment I'd say always make time to do something you enjoy be it: your "me time" entertain yourself and forever be young 💗 PROTECT YOUR ‘ME TIME’ to block out tasteless days.